كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 2)

الدنيا، وهذه حال الذين غفلوا عن ذكر الله، وهم الذين قال الله بشأنهم: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (¬1).
وهذه التعاسة التي يعيشها والمحن التي يلاقيها جزاء معجل له في هذه الحياة بسبب إعراضه عن ذكر الله، ونسيانه آلاءه ونعمه وتأمل قوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} (¬2).
أيها الإخوة، ولا يعني أن هذا الصنف من الناس لا عقول لهم، بل هم في مجال الحياة الدنيا لا ينازعون، وفي سبيل جمع حطامها لا يُسايرون، ولكن أمر الهداية والتوفيق للخير فضل ومّنةٌ من الله، يتفضل به على من عرف صدقه وإخلاصه وإنابته إلى الله، أما الذين رضوا من عقولهم أن تكون مسخَرة لجمع الدرهم والدينار فحسب، ولم يتجاوزوا بها إلى ما ينفعهم في حاضرهم ومستقبلهم، ولم يستخدموها في التفكير في هدف الحياة ومصير الناس، فهؤلاء رضوا من الغنيمة بالإياب، وعليهم أن يصبروا ويتحملوا ما يأتيهم من فتن ومحن ما داموا في غفلتهم يعمهون، وما داموا يسمعون الذكر فلا يستفيدون.
وليتذكروا قول الحق تبارك وتعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} (¬3).
أيها المسلمون، ومهما أدّعى المفرطون والمسرفون على أنفسهم بالسيئات العلم مفلسون بالجهل، ولهذا قال السلف: كل من عصا الله فهو جاهل ..
¬_________
(¬1) سورة الكهف، الآية: 28.
(¬2) سورة الزخرف، الآيتان: 36، 37.
(¬3) سورة التوبة، الآية: 126.

الصفحة 206