كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 2)

وتظل الغفلة تلاحقه وتظل هموم الدنيا تطارده، وفي أوديتها السحيقة متسع لهلاكه وأمثاله .. فلا يصحو إلا على طرق النذير، ولا يفيق إلا على صيحة الملك الموكل لقبض روحه .. وهنا في هذه اللحظات يبدأ الندم، ويدرك الشارد حقيقة الدنيا وخداعها، ويبدأ المرء يلوم نفسه، يتذكر ما مضى من عمره، حتى وإن كان من أنعم أهل الدنيا، فيخيل إليه وكأنه لم يمكث في الدنيا إلا ساعة، أو أقل، ويتذكر ما هو مقدم عليه .. وأن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، وهيهات أن ينفع الندم، بل وهيهات أن يعطى المرء فرصة لمزيد من التأمل والتفكر، فاللحظات حاسمة، والنهاية قريبة، والمشهد سريع، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (¬1).
إخوة الإيمان، وفضل الله عظيم، ورحمته واسعة، وهو الذي يهب الناس من أعمال الخير ما يعوضون به ما فاتهم، ويلحقون به من سبقهم، وفي الأيام الخالية كان صيام عرفة لغير الحاج فرصة للتزود بزاد التقوى، وفرصة لتكفير السيئات، والرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: «صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده .. » فأي فضل بعد هذا؟ وأي نعمة تربو على هذه النعمة؟
أيها المسلمون من الحجاج والمقيمين وتبقى- بفضل الله ورحمته- صحائفكم في هذه الأيام بيضاء نقية، وقد غفر الله لكم، إن شاء الله، بالحج أو بصيام عرفة، ما تقدم من ذنوبكم .. فهل تحافظون على هذه المكاسب؟ لم يُسَوِّد بعضنا صحيفته بالآثام والموبقات، وكان موسمًا من مواسم الخير لم يمر به، أو نفحة من نفحات الله لم تدركه، وهل يضمن حياته إلى موسم آخر؟
¬_________
(¬1) سورة الأعراف، الآية: 34.

الصفحة 220