كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 2)

عباد الله هذه دعوة لنا جميعًا فلنعلم حقيقة الإيمان، ونتخلق بأخلاق الإسلام، وليست حصرًا لحقائق الإيمان، ولا إحصاءً لصفات المؤمنين، لكنها الإشارة بالبعض إلى الكل، أما النتيجة التي يجب أن نخلص إليها فهي أن الإيمان ليس بضاعة مزجاة تباع وتشترى بأبخس الأثمان، أو مجرد دعوى وألقاب تجوز على كل لسان ... وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ... ولكن الإيمان نهج متكامل، فهو عبادة لله خاشعة، ومعاملة لخلقه كريمة، وأخلاق رفيعة، هو كسب نظيف وإنفاق مشروع.
الإيمان الحق اعتقاد سليم، وعمل صحيح، جهاد وتضحية، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولاء وبراء، مظهر ومخبر، بذل للندى وكف عن الأذى، وخروج عن الأنانية المقيتة، ونصرة للنفوس المسلمة المظلومة.
وبهذا يتبين خطأ نظرتين للإيمان، إحداهما جافية والأخرى غالية.
أما الجافية فترى أن مجرد الإيمان بالله كافٍ حتى وإن ضُيَّعت الصلاة وقُصِّر في أداء الزكاة، واختلطت المعاملات حلُّها والحرام، بل يُكثر هذا الصنف الجافي من القول لا داعي للتركيز على المظاهر فالمخابر هي الأساس، وهؤلاء يهدمون الإسلام لبنة لبنة حتى إذا لم يبق إلا شبح البناء تهاوى وبكى من على الأطلال.
أما الصنف الغالي فهم يعظمون الصغير، ويكفرون على الذنب الكبير، وربما فتحوا معارك في خطأٍ علاجه بالحسنى أجدى وأولى، وربما ظنوا احتقار الناس دينًا، والتنقص من أمرهم دينًا وشرعًا، والله يقول: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (¬1).
¬_________
(¬1) سورة النجم، الآية: 32.

الصفحة 23