كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 2)

وليس من الحلم والأناة إضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتكاسل في الدعوة إلى الله بالحسنى ولا القعود عن نصرة المظلومين، ومحبة المؤمنين، والبراءة من الكافرين، وبغض المنافقين، ولكن الحلم والأناة تريثٌ وتعقلٌ في الحركات، وتأن، وعدم عجلة في التصرفات، ونظرٌ محمود في العواقب، وتقديرٌ وتغليبٌ للمصالح والفاسد، إنه كبح جِماح النفس والهوى، واستشارة لذوي العلم والفضل والنهى، بالحلم والأناة يسود العلماء، وبالحلم والأناة والرفق شأن الولاة والأمراء. (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به).
كذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (¬1).
وتأملوا في عظيم هذه الحكمة التي أسداها واحد من سادات الحكماء ومن يُضرب بحلمه وسؤدده المثل. إنه الأحنف بن قيس رحمه الله، الذي يقال أنه كلم مصعب بن الزبير في محبوسين، وقال: أصلح الله الأمير إن كانوا حبسوا في باطلٍ فالعدل يسعهم، وإن كانوا حبسوا في حقٍ فالعفو يسعهم.
وهو القائل: لا ينبغي للأمير الغضب، لأن الغضب في القدرة لقاح السيف والندامة (¬2).
وبالحلم والرفق والأناة ينبغي أن يربي الآباء والأمهات البنين والبنات، وأن يكون جزءًا مهمًا من وظيفة المربين، وأسلوبًا عمليًا للمعلمين، ونهجًا متّبعًا للقادة والمسؤولين، اللهم هيء للمسلمين من أمرهم رشدًا، وارزقهم الحلم والأناة والرفق في الأمور كلها.
¬_________
(¬1) رواه مسلم (1828) رياض الصالحين/ 298.
(¬2) سير أعلام النبلاء/ 94.

الصفحة 257