كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 2)

فقدان نقد الذات أن تشغل نفسك بتقويم عمل فلان، وتخطئة علان من الناس، وأنت بعيد عن الساحة، سلبي في المشاركة .. كيف لا وأنت مدعو للمشاركة في التجارة الرابحة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1).
ومم يعين على نقد الذات واستصلاح النفس اختيار أفضل طرق العقلاء فيما يحققون به السعادة لأنفسهم، قال بعض العلماء: (فكرتُ فيما يسعى فيه العقلاء، فرأيت سعيهم كله في مطلوبٍ واحد، وإن اختلفت طرقهم في تحصيله، رأيتهم جميعًا إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم، فهذا بالأكل والشرب، وهذا بالتجارة والكسب، وهذا بالنكاح، وهذا بسماع الغناء والأصوات المطربة، وهذا باللهو واللعب، فقلت: هذا المطلوب مطلوب العقلاء، ولكنّ الطرق كلها غير موصلةٍ إليه، بل لعلّ أكثرها إنما يوصلُ إلى ضده، ولم أر في جميع هذه الطرق كلها طريقًا موصلة إليه إلا الإقبال على الله ومعاملته وحده، وإيثار مرضاته على كل شيء) وعلق ابن القيم على ذلك موافقًا ومؤكدًا (¬2).
يا أخا الإيمان، وثمة طرقٌ أُخري لاستصلاح النفس ونقد الذات، إن فكرت فيها وجدتها، وليس هذا حصرًا لها، والمهم أن تستشعر دائمًا عظمة نعمة الله عليك وتقصيرك في شكرها، وأن تتصور أن كل مصيبة نازلة بالمسلمين فلك سهمٌ في وجودها وفي رفعها بإذن الله، وأن يلاحقك هم المسلمين وواقع المسلمين في كل مكان، فلا ترى ثغرةً ينفذ منها العدو إلا سألت نفسك: هل بإمكاني حراستها؟ وهل كنت سببًا في دخول العدو منها؟ .
¬_________
(¬1) سورة الصف، الآيتان: 10، 11.
(¬2) الداء والدواء/ 328، 329.

الصفحة 57