كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 2)

خطأ، ويقابله خطأ آخر، وهو أن ننشغل بنقد الآخرين، والوسطية في ذلك أن نبدأ بنقد ذواتنا، وإصلاح أنفسنا، فإذا رُمنا نقد الآخرين، وإصلاح أخطاء المخطئين، فلابد من أصول وضوابط، ولابد من طرائق وأساليب، العلم بها شرط لازمٌ، وسريان النقد بموجبها ينفع الله بها الناقد، ويستصلح المنقود. وكم أحدث غياب هذه الأصول والضوابط الشرعية، والآداب الإسلامية، من فتن وخصومات، وضياع ذمم، وهدر أوقات، وفتح ثغرات مقفلة، والغفلة عن ثغرات مفتوحة، فتسلل العدد الخارجي إلى أرضنا، ونحن في شغل ومهاترات داخليةٍ بيننا، وحق لنا جميعًا أن نتذكر قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» (¬1).
مصيبة أيها المسلمون أن تقطع أوصال الأمة، وتغيب هويتها، ويعتدى على مقدساتها ... ويعبث المنافقون بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والمسلمون في شغل شاغل بينهم، ورحى المعركة تدور لتحصد البقية الباقية منهم، وتركز على الصفوة منهم ... إنها الطامة الكبرى، والحالقة للدين، وإنها الأجواء التي يتنفسن فيها المنافقون، ويستثمرها لصالحهم المجرمون، ويمتد على حسابها أعداء الأمة العابثون.
لابد لتستعيد الأمة المسلمة مجدها وكرامتها من تنقية الأجواء بين المسلمين، ولابد من إصلاح السرائر ودفن الضغائن، لابد من التخلي عن حظوظ النفس، ولابد من التجرد من الهوى، ولابد من مراغمة الشيطان، وأساس ذلك كله تقوى الله وإصلاح ذات البين، وحسن الظن، وتقديم القول الحسن، وكل ذلك من طاعة الله وطاعة رسوله، وهكذا أُدِّبَ المسلمون حين وقع الخلاف بينهم:
¬_________
(¬1) رواه مسلم، مختصر المنذري، 1804.

الصفحة 60