كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 2)

فظاظة القول، وقسوة الخطاب، حاجز عن سماع الحق، موجبًا لنفرة الخلق {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (¬1).
ولئن كانت مهمة المرسلين- عليهم السلام- البلاغ المبين، فلا يُطلب من غيرهم هداية المنحرفين- وما عليهم إلا تحري دواعي القبول بالكلمة الطيبة، والموعظة البليغة، وذكر المحسان في المقدمة ... فإن البدء بما للمرء من محاسن يحطم الكبرياء في النفس، ويهِّيءُ النفس لسماع ما بعده من الحق والنقد ولكن ... لا ينبغي الإسراف فيه بحيث يداخل النفس العُجْبَ والغرور ... أو الاكتفاء به بحيث يرى المرء أن حياته كلها حسنات، فلا يستسيغ السماع بعد، ممن جاءه مذكرًا إياه بالأخطاء والسيئات.
5 - ومن ضوابط النقد المجادلة بالتي هي أحسن، وذلك بأن يكون صاحبه قاصدًا لإيضاح الحق أو طامعًا في أتباع خصمه له .. أما إن كان قصدُه الغلبة على الخصم، ومجرد الظهور تحقيقًا لحظ النفس، وتدعيمًا لشهوة الهوى، فذلك المراء المذموم شرعًا ... إذا كنا معاشر المسلمين مأمورين بالتي هي أحسن في مجادلة أهل الكتاب، كما قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (¬2) فهل ترونه يسوغ بين المسلمين تبادل التُّهم، والرغبة في الانتصار على الخصم لا أكثر؟
وهكذا ينبغي أن يكون سلاح المجادلة، الكلمة الصادقة، والحجة القاطعة لا غير، أما استخدام القوة الغاشمة سبيلاً إلى النصرة بغير حق فذلك طريق العاجزين، وما أجمل ما قاله ابن القيم رحمه الله، وهو يتحدث عن مجادلة أهل
¬_________
(¬1) سورة آل عمران، الآية: 159.
(¬2) سورة العنكبوت، الآية: 46.

الصفحة 68