كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

جاز ذلك، فإنّ الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية. و (جَمِيعاً) نصب على الحال من الموصول الثاني. والاستواء: الاعتدال والاستقامة. يقال: استوى العود وغيره، إذا قام واعتدل، ثم قيل: استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصداً مستوياً، من غير أن يلوى على شيء. ومنه استعير قوله: (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي: قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض، من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر. والمراد بالسماء: جهات العلو، كأنه قيل: ثم استوى إلى فوق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (جاز ذلك) أي: قول من زعم أن المعنى بقوله: (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) خلق الأرض وما فيها، إنما يصح إذا كنى بالأرض عن الجهات السفلية دون حقيقة الأرض التي هي الغبراء؛ لأن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية، وأما إذا أجريت على الحقيقة فلا، فإن الشيء لا يحصل في نفسه ولا يكون طرفاً لها. وينصر الأول إفراد السماء والمراد جهات العلو في الوجه المختار.
قوله: (ثم قيل: استوى إليه)، الأساس: ومن المجاز: استويت إليك: قصدتك قصداً لا ألوي على شيء. ولما لم يكن في الاعتدال والاستقامة التواء سمي به القصد المستوي مجازاً، بقرينة التعدية "بإلى". الأساس: قصدته وقصدت إليه. ثم شبه بهذا القصد الذي يختص بالأجسام إرادته الخاصة تعالى عن صفات المخلوقين، ثم استعير لها ما كان مستعملاً في المشبه به استعارة مصرحة تبعية.
قوله: (المراد بالسماء جهات العلو) إنما عدل إلى هذا التأويل لفقدان المطابقة بين ذكر السماء والضمير في "فسواهن" إفراداً وجمعاً، فأصل الكلام حينئذ: ثم استوى إلى فوق فسوى سبع سموات، ألا ترى حين جعل "السماء في معنى الجنس" أو قال: السماء "جمع سماوة" كيف جعل الضمير للسماء لحصول المطابقة، فإذن المعنى على التقديرين الأخيرين: ثم أراد

الصفحة 420