كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

والضمير في (فَسَوَّاهُنَّ) ضمير مبهم. وسَبْعَ سَماواتٍ تفسيره، كقولهم: ربه رجلاً. وقيل الضمير راجع إلى السماء. والسماء في معنى الجنس. وقيل جمع سماءة، والوجه العربي هو الأوّل. ومعنى تسويتهنّ: تعديل خلقهنّ، وتقديمه، وإخلاؤه من العوج والفطور، أو إتمام خلقهن (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فمن ثم خلقهنّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تسوية السماوات، فسواهن سبعاً، كقوله تعالى: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [البقرة: 54] أي: فاعزموا على التوبة فاقتلوا أنفسكم، لكن الأول أقضى لحق البلاغة ومقام إرادة تفضيل خلق السماوات على الأرض، بدليل إيثار "ثم" الدالة على التراخي في الرتبة وأدعى له، فإفراد السماء لإرادة جهة فوق مؤذن بالتفضيل، إذ التعبير عنها بها تعظيم لها، مع أن في تصوير الفوقية في هذا الجانب تصوير ضدها فيما يقابلها، ولرتبة هذه الفائدة أبهم ضمير السماوات ليشوق إلى ما يبينه، ثم جيء بها تفسيراً له، فحصل من ذلك مزيد التفخيم لشأنها، وإن شئت فجرب ذوقك في قولك: ربه رجلاً، وقولك: رب رجل، لتعرف الفرق.
وليس في إرادة الجنسية تلك الفوائد، ولا في الجمعية مع أن تلك لغة غير فصيحة، وإليه الإشارة بقوله: "والوجه العربي الأول". وأما الفرق بين النصين فإن الضمير في (فَسَوَّاهُنَّ) إذا رجع إلى السماء على المعنى كان (سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) حالاً، أي: فسواهن كائنة سبع سماوات، أو سبع سماوات متعددة على أنها حال موطئة نحو: (أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) [يوسف: 2] وإذا كان الضمير مبهماً كان (سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) نصباً على التمييز، والتفسير نحو: ربه رجلاً. نص على هذين النصبين في سورة "حم السجدة".
قوله: (وقيل: جمع سماءة) قال الزجاج: والسماء لفظها واحد ومعناها الجمع، ويجوز أن تكون السماء جمعاً كأن واحدها سماءة.

الصفحة 421