كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

خلقاً مستوياً محكما من غير تفاوت، مع خلق ما في الأرض على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم. فإن قلت: ما فسرت به معنى الاستواء إلى السماء يناقضه (ثم) لإعطائه معنى التراخي والمهلة قلت: (ثم) هاهنا لما بين الخلقين من التفاوت وفضل خلق السماوات على خلق الأرض، لا للتراخي في الوقت كقوله: (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا). على أنه لو كان لمعنى التراخي في الوقت لم يلزم ما اعترضت به، لأن المعنى أنه حين قصد إلى السماء لم يحدث فيما بين ذلك - أى في تضاعيف القصد إليها - خلقاً آخر. فإن قلت: أما يناقض هذا قوله: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)؟ قلت: لا لأنّ جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماء. وأمّا دحوها فمتأخر. وعن الحسن: خلق اللَّه الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر، عليها دخان ملتزق بها، ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات، وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض، فذلك قوله: (كانَتا رَتْقاً) [الأنبياء: 30]؛ وهو الالتزاق.
[(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يناقضه) يعني فسرت الاستواء بأنه تعالى قصد إلى السماء بعد خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر، هذا يقتضي أن لا يتخلل بينهما زمان، ومعنى "ثم" التراخي في الزمان. وأجاب عنه من وجهين، أحدهما: أن "ثم" ها هنا مستعارة للتراخي

الصفحة 422