كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فكانا مفعوليه، ومعناه مُصير في الأرض خليفة. والخليفة: من يخلف غيره. والمعنى خليفة منكم، لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذرّيته. فإن قلت: فهلا قيل: خلائف، أو خلفاء؟ قلت: أريد بالخليفة آدم، واستغنى بذكره عن ذكر بنيه كا استغنى بذكر أبى القبيلة في قولك: مضر وهاشم. أو أريد من يخلفكم، أو خلفا يخلفكم فوحد لذلك. وقرئ: خليقة بالقاف ويجوز أن يريد: خليفة مني، لأنّ آدم كان خليفة اللَّه في أرضه وكذلك كل نبىّ (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) [ص: 26]. فإن قلت: لأى غرض أخبرهم بذلك؟ .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن يريد خليفة مني) عطف على قوله: "المعنى خليفة منكم" يعني لفظة "من" مقدرة في التنزيل، وهي صفة للخليفة، أي: كائنة منكم أو مني، وعلى الأول الخليفة بمعنى الخلف، الجوهري: الخلف: القرن بعد القرن. قال الله تعالى: (إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) [الأعراف: 69]. وعلى الثاني: بمعنى السلطان فكان يرد على الوجه الأول أن يقال: كان المناسب أن يجاء بالخليفة جمعاً فلم جيء مفرداً؟ فأجاب بما ذكر، ثم أكد الجواب بالقراءة الشاذة لأنها مناسبة لأن يكون "خليفة" بمعنى الجمع. الجوهري: الخليقة: الخلائق، ويقال: هم خليقة الله، وهم خلق الله، وهو في الأصل مصدر، فعلل ذلك الوجه، ثم شرع في الوجه الثاني، فالخليفة على هذا غير محتاجة أن تفسر بالجمع.
قوله: ((إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) [ص: 26]) استشهاد لكون آدم خليفة من الله تعالى في أرضه؛ لأن المراد بالخليفة حينئذ من يجري في الأرض أحكام الله على سنن العدل ونهج الصواب، يدل عليه ترتب قوله: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) على الوصف بجعله خليفة في الأرض، ولهذا لما فقد هذا المعنى بعد الخلفاء الراشدين، قال صلى الله عليه وسلم: "الخلافة في أمتي ثلاثون

الصفحة 425