كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

قلت: ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم، صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم. وقيل ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها، وعرضها على ثقاتهم ونصحائهم، وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة. (أَتَجْعَلُ فِيها): تعجب من أن يستخلف مكان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سنة، ثم ملك بعد ذلك" رواه الترمذي عن سفينة، وروى أبو داود عنه: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء".
الراغب: إنما استخلف الله تعالى آدم لقصور المستخلف عليه أن يقبل التأثير من المستخلف وذلك ظاهر، فإن السلطان جعل الوزير بينه وبين رعيته إذ هم أقرب إلى قبولهم منه، وكذا الواعظ جعل بين العامة والعلماء الراسخين، فإن العامة أقبل منهم من العالم الراسخ، وليس ذلك لعجزه بل لعجز العامة عن القبول منه.
قوله: (صيانة لهم عن اعتراض الشبهة) الضمير للملائكة، و"صيانة" مفعول له لقوله: "أخبرهم" المقدر بعد قوله: "قلت" الدال عليه أخبرهم في السؤال، ولا يجوز أن يكون الضمير لبني آدم لأن الصيانة غير مقارنة عند الإخبار.
قوله: (وقيل ليعلم عباده) عطف على قوله: "قلت: ليسألوا".
قوله: (تعجب من أن يستخلف) أي: ولدت الهمزة معنى التعجب، لأنه لا يجوز أن يحمل على الإنكار لئلا يلزم منه اعتراضهم على حكم الله تعالى، وهذا لا يليق بمرتبة الملائكة، قال الله تعالى: (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء: 27].

الصفحة 426