كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أي أعلم من المصالح في ذلك ما هو خفي عليكم. فإن قلت: هلا بين لهم تلك المصالح؟ قلت: كفى العباد أن يعلموا أن أفعال اللَّه كلها حسنة وحكمة، وإن خفى عليهم وجه الحسن والحكمة. على أنه قد بين لهم بعض ذلك فيما أتبعه من قوله (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) واشتقاقهم «آدم» من الأدمة، ومن أديم الأرض، نحو اشتقاقهم «يعقوب» من العقب، «إدريس» من الدرس، و «إبليس» من الإبلاس. وما آدم إلا اسم أعجمى: وأقرب أمره أن يكون على فاعل، كآزر، وعازر، وعابر وشالخ. وفالغ، وأشباه ذلك (الْأَسْماءَ كُلَّها) أي أسماء المسميات فحذف المضاف اليه لكونه معلوما مدلولا عليه بذكر الأسماء، لأن الاسم لا بدله من مسمى، وعوض منه اللام كقوله: (وَاشْتَعَلَ الرَّاسُ) [مريم: 4]. فإن قلت: هلا زعمت أنه حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه، وأن الأصل: وعلم آدم مسميات الأسماء؟ قلت: لأن التعليم وجب تعليقه بالأسماء لا بالمسميات كقوله: .........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتسع العمر؟ !
وإن مس بالنعماء عم سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
قوله: (على أنه قد بين لهم بعض ذلك) يعني أن "ما" في (مَا لا تَعْلَمُونَ) إن كان عاماً يشمل من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر، لكن خص منها البعض بما أتبعه من قوله: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ) فإن اتصافه بعلم لا تعلمه الملائكة دليل على أنه جامع للكمالات التي بعضها هذا المذكور، فمن هذا الطريق يكون مبيناً مكشوفاً.
قوله: (لأن التعليم وجب تعليقه بالأسماء لا بالمسميات) إلى آخره "الانتصاف": هو يفر

الصفحة 430