كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: هذا يخالف قول الواحدي: إن تقديره: إن كنتم صادقين أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم وأفضل منه. وأيضاً، إن الكلام في العلم والسؤال فيه، فلا يناسبه قول المصنف، وهو كما تقول: إن كنت نجاراً فخط قميصي.
قلت: ما ذهب إليه المصنف أولى وأحرى بأن يتلقى بالقبول، لأنه كالقول بالموجب، وبيانه: أن الملائكة لما بنوا دعواهم على المبالغة في طرفي الإفراط والتفريط في نسبة الفساد على بني آدم، والصلاح إلى أنفسهم، حيث صدروا قولهم: "أتجعل فيها" بهمزة الاستبعاد، وكرروا الظرف، وعطفوا سفك الدماء على الفساد، وبنوا الخبر وهو "نسبح" على "نحن"، ليتقوى به الحكم، وقيدوا التسبيح بالتحميد، وعطفوا عليه التقديس؛ أي: نحن أولى بالاستخلاف منهم لما لا يصدر منا إلا محض الصلاح وهم بخلافه دونهم، قيل لهم: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) أي: إنكم نظرتم إلى ظاهر ما يقتضي القوة الشهوانية والغضبية من الفساد وسفك الدماء، وغفلتم عما أودعت فيهما من الصلاح، وفي هذا الوجود أسرار عجيبة لا يحصى عددها، ولا يكتنه كنه عظم نفعها، وبعض ذلك هذا المتحدى به وهو العلم بأسماء المسميات، فأنبئوني بها إن كنتم صادقين في زعمكم أني أستخلف في الأرض مفسدين، وأنتم أحقاء بالخلافة دونهم. أي: ليس المانع ما نفيتموه، ولا السبب ما أثبتموه، وإنما قلنا: بعض ذلك هذا المتحدى به؛ لأن الواو العاطفة التي تستوجب معطوفاً عليه، هو مع المعطوف بيان لقوله: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)، كالواو في قوله تعالى حكاية عن داود وسليمان: (وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) [النمل: 15]، وإنما لم يذكر لئلا ينحصر عليه، ويفيد أكثر من ذلك، فوجب أن تقدر فوائد لا عدد لها بالنسبة إلى معلوم الله، وإليه الإشارة بقوله: "وبين لهم بعض ما أجمل من المصالح في قوله: (وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) " وهذا الأسلوب من الجواب نحو قوله تعالى: (فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 23]. قال المصنف: إن رتبتم أن القرآن منزل

الصفحة 433