كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

سفاكين للدماء؛ إرادة للرد عليهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهاتوا أنتم طائفة يسيرة من جنس ما أتى به. لكن أصحابه لا يرضون منه هذا التقدير، لما يلزم من فضل البشر على الملائكة.
تنبيه: واعلم أن قوله: (وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) [البقرة: 30] ينتظم في سلك جوامع الكلم التي هي من حلية التنزيل، فأتى بلفظ السفك الدال على الإراقة والإجراء كالمائع، وخص بالمضارع المنبئ في مثل هذا المقام عن الاستمرار، نحو: فلان يقري الضيف، ويحمي الحريم. وجمع الدماء وحلى بلام الاستغراق ليصور شناعة ذلك الفعل ويستوعب الأزمنة، ويتضمن جميع أنواع الدماء: المحظور كحروب الفساد والفتن والفتك وقتل النفس المحرمة، والواجب كالمجاهدة مع أعداء الدين، قال تعالى: (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة: 111]، والمباح كسفح دماء الحيوان المأكول، والمصلحي الديني كأنواع القصاص، والسياسي كحفظ نظام المملكة. قال:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
فإذاً من لوازم هذا الخليفة وخواصه أن يكون سفاكاً للدماء، لينتظم أمر معاشه ومعاده، ونحن معاشر الملائكة أبرياء من جميع كل ذلك؛ لأن دأبنا التسبيح والتحميد، وعادتنا التقديس والتهليل، فنودوا من سرادقات الجلال: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ). والله أعلم.
قوله: (إرادة للرد عليهم) قيل: هو مفعول له، لقوله: "استنبأهم" واعترض قوله: (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) في لفظ "الكشاف" تقريراً لكون الاستنباء على سبيل التبكيت. والوجه أن يكون مفعولاً له للقول المقدر عند قوله: (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) أي: قال ذلك إرادة للرد عليهم. وقوله: "على سبيل التبكيت" متعلق باستنبأهم، ويتم به الكلام، وقوله: "وقد علم عجزهم عن الإنباء" اعتراض أو حال، وقوله: (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) شروع في التفسير.

الصفحة 434