كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وقيل: فأزلهما عن الجنة: بمعنى أذهبهما عنها وأبعدهما، كما تقول: زلّ عن مرتبته. وزل عني ذاك: إذا ذهب عنك وزل من الشهر كذا. وقرئ: (فأزالهما).
(مِمَّا كانا فِيه) من النعيم والكرامة، أو من الجنة إن كان الضمير للشجرة في (عَنها). وقرأ عبد اللَّه: (فوسوس لهما الشيطان عنها). وهذا دليل على أن الضمير للشجرة، لأن المعنى صدرت وسوسته عنها. فان قلت: كيف توصل إلى إزلالهما ووسوسته لهما بعد ما قيل له: اخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ؟ . قلت:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرئ: فأزالهما) قرأها حمزة. قال الزجاج: هو من: زلت وأزالني غيري، وأزلهما، من: زللت وأزلني غيري. وهذه القراءة تشد من عضد التفسير الأخير ولذلك عقبه بها.
قوله: (أو من الجنة) معطوف على قوله: "من النعيم والكرامة" أي: "ما" في (مِمَّا كَانَا فِيهِ) إما عبارة عن النعيم والكرامة إن كان الضمير في "عنها" للجنة. أي: أذهبهما عن الجنة، فأخرجهما من نعيمها والكرامة فيها، أو عن الجنة إن كان الضمير في "عنها" للشجرة. أي: أصدر الشيطان زلتهما عن الشجرة فأخرجهما من الجنة.
الانتصاف: يشهد للضمير أن يعود على الجنة قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ) [الأعراف: 27].
الإنصاف: وهو سهو؛ لأن الذي أعاد الضمير إلى الشجرة قال: فأصدر الشيطان زلتهما عن الشجرة، وذلك لا ينافي إخراج الشيطان إياهما عن الجنة، ولا يمكن نسبة الإخراج إلى الشجرة. ولقد كان هذا الوجه قوياً وعن تأييده غنياً.

الصفحة 443