كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

يا رب إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم واكتفى بذكر توبة آدم دون توبة حواء، لأنها كانت تبعا له، كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك. وقد ذكرها في قوله: (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا). فَتابَ عَلَيْهِ فرجع عليه بالرحمة والقبول. فإن قلت: لم كرر: (قُلْنَا اهْبِطُوا)؟ قلت: للتأكيد ولما نيط به من زيادة قوله: (فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أراجعي) صح من نسخة المصنف بالتخفيف، ومن نسخة زين المشايخ بالتشديد، وهو السماع، وتوجيهه مشكل إلا أن يجعل جمعاً، وهو مستبعد أيضاً.
قوله: ((فَتَابَ عَلَيْهِ) فرجع عليه بالرحمة والقبول) الراغب: التوب ترك الذنب على أجمل الوجوه، وهو أبلغ ضروب الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه: إما أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، أو يقول: فعلت وأسأت وقد أقلعت، ولا رابع لذلك، وهذا الأخير هو التوبة، والتوبة في الشرع: ترك الذنب لقبحه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة، فمتى اجتمع هذه الأربعة فقد كملت شرائط التوبة، وتاب إلى الله، فذكر "إلى الله" يقتضي الإنابة، وتاب الله عليه، أي: قبل توبته، والتائب يقال لباذل التوبة. ولقابل التوبة التواب، ويقال ذلك لله تعالى لكثرة قبوله التوبة من العباد.
قوله: (ولما نيط به من زيادة قوله: (فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) [البقرة: 38] يعني كرر "اهبطوا" ليعلق عليه معنى آخر غير الأول، اهتماماً به، ويسمى هذا الأسلوب في البديع بالترديد، قال ابن هانئ:

الصفحة 447