كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

فإن قلت: ما جواب الشرط الأول؟ قلت: الشرط الثاني مع جوابه كقولك: إن جئتني فان قدرت أحسنت إليك. والمعنى: فإما يأتينكم منى هدى برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم بدليل قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) في مقابلة قوله:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء
اعلم أن قوله: "اهبطوا" في هذا المقام، يجوز أن يحمل على موضوعه الحقيقي وعلى غير موضوعه على سبيل الكناية؛ لأن الكناية لا تنافي إرادة معنى الحقيقة أيضاً، فينزل على انحطاط بعد الرفعة مكاناً ومرتبة، أما المكان فمن الجنة إلى الأرض، وأما المرتبة فمما كانا فيه من النعيم والكرامة، فعلق على "اهبطوا" أولاً النزول مما كانوا عليه من التحاب والتواد والتوافق التي هي من خواص أهل الجنة، قال الله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر: 47] إلى التباغض والتعادي وما عليه الناس من الشر، وإليه الإشارة بقوله: (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) ومن الخلود والدوام إلى الفناء والزوال، وإليه الإشارة بقوله: (وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ). ولما أراد أن ينتقل من هذا النوع من الانحطاط إلى نوع آخر من البلاء والمشقة وهو الابتلاء بالتكليف، أعاد اللفظ وهو قوله: (قُلْنَا اهْبِطُوا) وعلق عليه قوله: (فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) الآيات.
وأما قوله: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) فحقه من حيث الوقوع أن يذكر بعد ذكر الهبوطين؛ لأن التوبة إنما صدرت وهو على الأرض، لكن قدم وعقب بالفاء الفصيحة؛ ليدل على مزيد الاهتمام بشأن التوبة، وليؤذن به على أن الذنب مما يجب أن يحترز منه، وعلى تقدير صدوره يجب أن يعقب بالتوبة ولا يمهل، فالمعنى: قلنا ذلك، فهبط آدم، فتلقته الكلمات أو تلقاها آدم، ولهذا صرح باسمه، ولكرامته خصه دون غيره.
قوله: (بدليل قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا)) أي: يدل على تقييد "هدى" برسول أبعثه وكتاب

الصفحة 448