كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) فإن قلت: فلم جيء بكلمة الشك وإتيان الهدى كائن لا محالة لوجوبه؟ قلت: للإيذان بأنّ الإيمان باللَّه والتوحيد لا يشترط فيه بعثة الرسل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنزله، وقوع (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا) في مقابلة (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ)، فلما كان الجزاء الذي هو الجملة الشرطية مع ما عطف عليه، مقيداً بالآيات والتكذيب، يقدر الشرط الأول كذلك؛ لأن متابعة الهدى وتكذيبه مسببان عن بعثة الرسل، وإنزال الكتب، فالتقدير: فإما يأتينكم مني الرسل والكتب، فمن صدقهما فلا خوف عليه، ومن كذبهما فهو من أصحاب النار.
قوله: (لوجوبه) أي: رعاية الأصلح واجبة على الله تعالى بناءً على مذهبه، وتلخيص جوابه: أنها واجبة لكن هي عبارة عن منح العقل ونصب الأدلة. والهدى في الآية عبارة عن بعثة الرسل وإنزال الكتب، وهما ليسا واجبين على الله تعالى.
قوله: (للإيذان بأن الإيمان بالله والتوحيد) إلى آخره يؤذن بأن الكلام باق على الشك. وقال الزجاج: إن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة أو الخفيفة لزمتها "ما"، ومعنى لزومها إياها معنى التوكيد، وكذلك معنى دخول النون في الشرط التوكيد. قال صاحب الكواشي: "ما" تؤكد أول الفعل والنون آخره.
قال صاحب "المرشد": وإنما زيدت "ما" ها هنا لتأكيد الفعل الذي بعد حرف الشرط؛ شبهوها بلام القسم المؤكدة للفعل كقولك: والله لأعطين، وهي أكدت أول الفعل والنون المشددة آخره. كذلك ها هنا، ولئن سلم الشك، فإنها جارية على خلاف مقتضى الظاهر، وذلك أن الله تعالى لما أمر آدم عليه السلام بما أمر، ونهاه عما نهى على المبالغة والتوكيد كما سبق وشوهد منه بعد ذلك عدم العزيمة، وعلم من حال أولاده أنهم مجبولون على العجلة وقلة

الصفحة 449