كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وإنزال الكتب، وأنه إن لم يبعث رسولاً ولم ينزل كتاباً كان الإيمان به وتوحيده واجباً لما ركب فيهم من العقول ونصب لهم من الأدلة ومكنهم من النظر والاستدلال. فإن قلت: الخطيئة التي أهبط بها آدم إن كانت كبيرة فالكبيرة لا تجوز على الأنبياء، وإن كانت صغيرة، فلم جرى عليه ما جرى بسببها من نزع اللباس والإخراج من الجنة والإهباط من السماء، كما فعل بإبليس ونسبته إلى الغىّ والعصيان ونسيان العهد وعدم العزيمة والحاجة إلى التوبة؟ قلت: ما كانت إلا صغيرة مغمورة بأعمال قلبه من الإخلاص والأفكار الصالحة التي هي أجل الأعمال وأعظم الطاعات. وإنما جرى عليه ما جرى، تعظيما للخطيئة وتفظيعاً لشأنها وتهويلا، ليكون ذلك لطفاً له ولذرّيته في اجتناب الخطايا واتقاء المآثم، والتنبيه على أنه أخرج من الجنة بخطيئةٍ واحدة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثبات، ومائلون إلى حب الشهوات، قال: (فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ) على الشك، إيذاناً بأنه من غير أولي العزم، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه: 115] قال صاحب "المفتاح": إن استعملت "إن" في مقام الجزم لم يخل عن نكتة كتنزيل المخاطب منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، كما يقول الأب لابن لا يراعي حقه: إن لم أكن لك أباً فكيف تراعي حقي. فدل ذلك على أن لابد من إنزال الكتب وبعثة الرسل تفضلاً وإحساناً، فلا يلزم ما ذكره من وجوب الإيمان باستقلال العقل.
قال صاحب "التقريب": إنما كرر (قُلْنَا اهْبِطُوا) للتأكيد ولزيادة (فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ)، وجواب الشرط الأول الشرط الثاني مع جوابه. وإنما جاء بالشك في (إِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ) للإيذان بأن الوجوب- وجوب العقاب- إنما يكون بعد البعثة، والدلالة على أنه لا يجب على الله رعاية الأصلح. وقال القاضي: إنما جيء بحرف الشك، وإتيان الهدى كائن لا محالة؛ لأنه محتمل في نفسه غير واجب عقلاً، وكرر لفظ الهدى ولم يضمر؛ لأنه أراد بالثاني أعم من الأول، وهو ما

الصفحة 450