كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وهو أوكد في إفادة الاختصاص من (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة: 5]. وقرئ (وأُوَفِّ) بالتشديد: أي أبالغ في الوفاء بعهدكم، كقوله: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) [النمل: 189]، ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهو أوكد في إفادة الاختصاص من (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) قال القاضي: وإنما كان آكد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول، والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط، كأنه قيل: إن كنتم راهبين شيئاً فارهبون.
وقلت: هذا على خلاف رأي المصنف؛ لأنه جعل التركيب من باب الإضمار على شريطة التفسير لقوله: "هو من قولك: زيداً رهبته"، فإن هذا التركيب آكد في إفادة الاختصاص من "إياك نعبد" إذا قدرت المفسر بعد المنصوب لتكرير الجملة المفيدة للتخصيص، بخلاف "إياك نعبد"، فإن فيه تقديماً فقط.
قال صاحب "المفتاح": وأما زيداً عرفته، فأنت بالخيار، إن شئت قدرت المفسر قبل المنصوب، وحملته على التأكيد، وإن شئت قدرته بعده، وحملته على باب التخصيص. والمقام يقتضي الثاني لسياق الكلام وسباقه.
وأما إذا جعل من باب الشرط، فلا وجه أن يقابل بقوله: "إياك نعبد" إذ لا مناسبة بينهما. نعم لو قدر: إن كنتم تخصون أحداً بألوهية، فخصوني بها أفاد التخصيص، لكن تقدير الشرط أحط وأضعف من "إياك"؛ لأن التقديم يستدعي وقوع الفعل جزماً، والشرط على الفرض والتقدير.
فإن قلت: كيف عطف الجملة المؤكدة على مؤكدها والعطف يقتضي المغايرة؟ قلت: المغايرة حاصلة، لأن المراد من التكرار الترقي من الأهون إلى الأغلظ، فإن في التعقيب اتصال الرهبة برهبة هي أعلى منها من غير تخلل شيء آخر، كقولهم: الأفضل فالأفضل، والأكرم

الصفحة 453