كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالأكرم، لم يريدوا به أفضلين وأكرمين، بل الترقي إلى انتهاء الوسع والإمكان. قال المصنف في قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) [القمر: 9] أي: كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب. ففيه إشعار بمزيد الاختصاص.
ثم قوله: "أوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد" يقتضي أنه أوكد منه وحده، لكن إذا ضم معه (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5] كان هذا أوكد لتصريح التكرير والتعميم في "نستعين" على ما سبق في الفاتحة.
الراغب: إنما ذكر في الآية الأولى "فارهبون" وفي الأخرى "فاتقون"؛ لأن الرهبة دون التقوى، فحيثما خاطب الكافة عالمهم ومقلدهم وحثهم على [ذكر] النعمة التي يشتركون فيها، أمرهم بالرهبة التي هي مبادئ التقوى، وحيثما خاطب العلماء منهم، وحثهم على مراعاة آياته والتنبيه لما يأتي به أولو العزم من الرسل، أمرهم بالتقوى التي هي منتهى الطاعة.
وقوله: "وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإيمان والطاعة لي" أوف "بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم".
اعلم أن المصنف قال فيما سبق: إن العهد الموثق، وعهد إليه في كذا: إذا وصاه ووثقه عليه، واستعهد منه: إذا اشترط عليه، واستوثق منه. واللائق بهذا المقام هذا الثاني. فيكون المراد بالعهد ما استعهد من آدم في قوله تعالى: (فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) [البقرة: 38] إلى آخره لتنتظم الآيات، يؤكده عطف قوله: (وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ) [البقرة: 41] على "أوفوا" على سبيل التفسير، وفي كلامه إشعار به.

الصفحة 454