كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وهذا تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أوّل من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته. ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحى إليه والمستفتحين على الذين كفروا به، وكانوا يعدون اتباعه أول الناس كلهم، فلما بعث كان أمرهم على العكس كقوله: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَاتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) إلى قوله: (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة: 1 - 4]، (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة: 89]، ويجوز أن يراد: ولا تكونوا مثل أول كافر به، يعنى من أشرك به من أهل مكة. أى: ولا تكونوا وأنتم تعرفونه مذكورا في التوراة موصوفاً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهذا تعريض) أي: قوله: (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) تعريض بما يجب عليهم لمقتضى حالهم، ولما تكلموا به من الاستفتاح والبشارة، والتعريض أنواع منها: أن يكون الكلام مسوقاً لأجل موصوف غير مذكور كما تقول في عرض من يؤذي الناس: فلان رجل مؤمن يصلي ويزكي ولا يؤذي الناس. ويتوصل به على نفي الإيمان عن المؤذي.
ومنها: أن يساق به لمقتضى الحال على طريقة قوله:
أروح لتسليم عليك وأغتدي ... وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
وما نحن بصدده من هذا القبيل.
قوله: (والمستفتحين) الاستفتاح: الاستنصار. أي: كانوا يقولون: قد آن مبعث النبي الأمي الذي نجده في التوراة والإنجيل، فنحن نؤمن به ونقاتلكم معه.

الصفحة 456