كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

[(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)].
الباء التي في (بِالْباطِلِ) إن كانت صلة مثلها في قولك: لبست الشيء بالشيء خلطته به، كأن المعنى: ولا تكتبوا في التوراة ما ليس منها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم، حتى لا يميز بين حقها وباطلكم، وإن كانت باء الاستعانة كالتي في قولك: كتبت بالقلم، كان المعنى: ولا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها بباطلكم الذي تكتبونه وَتَكْتُمُوا جزم داخل تحت حكم النهى بمعنى: ولا تكتموا. أو منصوب بإضمار أن، والواو بمعنى الجمع، أى ولا تجمعوا لبس الحق بالباطل وكتمان الحق، كقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن. فإن قلت: لبسهم وكتمانهم ليسا بفعلين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإن كانت باء الاستعانة) والفرق: أن الخلط يستدعي مخلوطاً ومخلوطاً به. قال الجوهري: خلطت الشيء بغيره فاختلطا، فإذا جعلت صلة كان "بالباطل" مفعولاً مثل الأول، فخلطهم أن يكتبوا شيئاً آخر مثل المنزل، فإذا كتبوه اختلط مع الحق، فالمنهي الكتبة نفسها، لأنها مستلزمة للاختلاط، ومن ثم قال: "ولا تكتبوا فيختلط الحق بالباطل" وجعل "فيختلط" جواباً للنهي، وإذا جعلت للاستعانة كان المنهي جعل مكتوبهم سبباً للاشتباه، ولهذا قال: "ولا تجعلوا الحق مشتبهاً بباطلكم" أي: بسبب باطلكم. وقال "الذي تكتبونه" أي: الذي أنتم مشتغلون به وهو دأبكم وعادتكم، فقوله: "ملتبساً" ثاني مفعولي جعل.
قوله: (والواو بمعنى الجمع) قال في "الإقليد": هذه الواو تسمى واو الصرف؛ لأنها تصرف المعطوف عن إعراب المعطوف عليه.
قوله: (لبسهم وكتمانهم) تقريره: أن اللبس والكتمان متلازمان، فليست المسألة كقولهم: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، ليصح دخول واو الجمع بينهما. وأجاب بما تلخيصه: أن لبس

الصفحة 459