كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

متميزين حتى ينهوا عن الجمع بينهما، لأنهم إذا لبسوا الحق بالباطل فقد كتموا الحق؟ قلت: بل هما متميزان، لأن لبس الحق بالباطل ما ذكرنا من كتابتهم في التوراة ما ليس منها. وكتمانهم الحق أن يقولوا: لا نجد في التوراة صفة محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم، أو حكم كذا. أو يمحوا ذلك. أو يكتبوه على خلاف ما هو عليه. وفي مصحف عبد اللَّه: (وتكتمون)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحق بالباطل على ما بيناه في الوجهين، إظهار ما به يشتبه ما في التوراة، وكتمان الحق إخفاء ما في التوراة؛ إما بالقول بأن يقولوا: لا نجد فيها كذا، أو بالفعل بأن يمحوا ذلك، أو يكتبوه على خلاف ما هو عليه، فقوله: "أو حكم كذا" عطف على "صفة محمد" صلوات الله عليه، وهو حكم الزاني المحصن، ورجمه كما سيجيء حديثه. وقوله: "أو يمحوا" عطف على قوله: "أن يقولوا".
فإن قلت: فعلى هذا يلزمك جواز فعلهم اللبس بدون الكتمان وعكسه، كما في مسألة السمكة.
قلت: لا نسلم جواز فعل كل واحد منهما على الانفراد كما في مسألة السمكة، فإن نهي الجمع لا يدل على جواز البعض ولا على عدمه، وإنما يعلمان من دليل آخر، أما في مسألة السمكة فمن الطب، وأما في الآية فلاستبداد قبح كل منهما. وبقي أن يقال: إذا كان كذلك فما فائدة الجمع؟
والجواب: فائدته المبالغة في النعي عليهم وإظهار قبح أفعالهم من كونهم جامعين بين الفعلين اللذين إن انفرد كل منهما كان مستقلاً في القبح، وعلى قراءة الجزم وإن دل على المبالغة لكن تفوت فائدة النعي عليهم.
قوله: (وفي مصحف عبد الله: وتكتمون) قال القاضي: هذه القراءة تعضد قول من

الصفحة 460