كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

[(أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ* وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)].
(أَتَامُرُونَ): الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم. والبرّ سعة الخير والمعروف. ومنه البر لسعته، ويتناول كل خير. ومنه قولهم: صدقت وبررت. وكان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد صلى اللَّه عليه وسلم ولا يتبعونه. وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدّقون، وإذا أتوا بصدقات ليفرّقوها خانوا فيها. وعن محمد بن واسع: بلغني أنّ ناسا من أهل الجنة اطلعوا على ناس من أهل النار فقالوا لهم: قد كنتم تأمروننا بأشياء عملناها فدخلنا الجنة. قالوا كنا نأمركم بها ونخالف إلى غيرها (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) وتتركونها من البر كالمنسيات (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ): تبكيت، مثل قوله: (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 42] يعني: تتلون التوراة وفيها نعت محمد صلى اللَّه عليه وسلم، أو فيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول العمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (صدقت وبررت) أي: بررت في صدقك، كما يقال: كذبت وفجرت، أي: فجرت في كذبك هذا.
قوله: (وقيل: كانوا يأمرون بالصدقة) فعلى هذا البر بمعنى الإحسان، وعلى الأول بمعنى الإيمان.
قوله: (كالمنسيات) أشار بالكاف إلى أن المراد بقوله: "تنسون": تتركون على الاستعارة التبعية؛ لأن أحداً لا ينسى نفسه بل يحرمها من الخير، ويتركها كما يترك الشيء المنسي مبالغة لعدم المبالاة والغفلة فيما ينبغي أن يفعله.
قوله: ((وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ) [البقرة: 44] تبكيت مثل قوله: (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 22]) يعني: كما وقع (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حالاً من فاعل "لا تلبسوا" على سبيل التبكيت

الصفحة 462