كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(لا تَجْزِي) لا تقضي عنها شيئا من الحقوق. ومنه الحديث في جذعة بن نيار: «تجزى عنك ولا تجزى عن أحد بعدك». و (شَيْئاً) مفعول به،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاً: النعمة التي اختصت بالذين شاهدوا حضرة الرسالة، وأنزل إليهم ما يصدق ما معهم، ومنحوا ما كانوا يتمنون من الاستفتاح على الكفار بنبي الرحمة.
وثانياً: النعمة التي أنعمها الله تعالى على آبائهم وأسلافهم من تفضيلهم على عالمي زمانهم بالعلم والحكمة والنبوة، وبإنجائهم من فرعون وعقابه، وفلق البحر، وتظليل الغمام، وغير ذلك. فالواجب: حمل الكلام على هذا لا على ما ذهب إليه المصنف لئلا يختل النظم، ويؤيده ما ذكره الزجاج: أذكرهم الله عز وجل نعمته عليهم في أسلافهم، والدليل على ذلك قوله: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [البقرة: 49] والمخاطبون بالقرآن لم يروا فرعون ولا آله. ولكنه أذكرهم أنه لم يزل منعماً عليهم؛ لأن إنعامه على أسلافهم إنعام عليهم، والدليل عليه: أن العرب تجعل ما كان لآبائها فخراً لها، وما كان فيه ذم تعده عاراً عليها.
ولعل مراد المصنف من تخصيص هذا العام وتفسير العالمين بالجم الغفير من الناس أن لا تدخل الملائكة في العالمين حتى لا يلزم أن يكون البشر أفضل منهم كما ذهب إليه في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) إلى قوله: (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70] لأن بعض الأصحاب استدل بهذه الآية التي نحن بصددها على فضل البشر.
قوله: (ومنه الحديث في جذعة ابن نيار) روينا في "صحيح البخاري" قال أبو بردة بن نيار خال البراء: يا رسول الله، فإني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي، فذبحت شاتي، وتغديت قبل أن آتي الصلاة. قال: "شاتك شاة لحم"، قال: يا رسول الله، فإن عندنا عناقاً جذعة هي أحب إلي من شاتين،

الصفحة 471