كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

فإن قلت: هل فيه دليل على أنّ الشفاعة لا تقبل للعصاة؟ قلت: نعم؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال- أو الناس- لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً". قال صاحب "الجامع": صرف الكلام: ما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه من وراء الحاجة، والاستباء: افتعال من السبي، كأنه ينهب بكلامه قلوب السامعين، العدل: الفرض، والصرف: النافلة، وقيل: الصرف: التوبة. والعدل: الفدية، سميت لأنها تصرف من الحال الذميمة إلى الحميدة.
الراغب: تفسيرهم العدل والصرف بالفريضة والنافلة من حيث إن العدل هو المساواة وتعاطيه واجب، والصرف: الزيادة الحاصلة عن التصرف، وتعاطيه تبرعوهما كالعدل والإحسان.
وقلت: في تخصيص السبي بالذكر في الحديث نكتة وهي أنه صلوات الله عليه استعار للميل إلى الباطل لفظ السبي الذي يختص بالغارة، ويفهم منه أنه إذا أميلت إلى الحق بسبب الكلمات المونقة في الترهيب والترغيب لم يدخل في هذا الوعيد.
قوله: (هل فيه دليل على أن الشفاعة لا تقبل للعصاة؟ ) ثم قوله: (نعم) فيه نظر؛ لأن سياق الآية على العموم كقوله تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34 - 37] فالسؤال إنما يحسن عن التخصيص؛ لأنها هل تدل على أن الشفاعة لا تقبل للعصاة وغير العصاة. والتخصيص من وجهين:
أحدهما: بحسب المكان والزمان، فإن مواقف القيامة ومقدار زمانها فيه سعة وطول، لعل هذه الحالة في ابتداء وقوعها وشدة أمره، ثم يأذن بالشفاعة.

الصفحة 475