كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

لأنه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقاً أخلت به من فعل أو ترك، ثم نفى أن يقبل منها شفاعة شفيع فعلم أنها لا تقبل للعصاة. فإن قلت: الضمير في (وَلا يُقْبَلُ مِنْها) إلى أى النفسين يرجع؟ قلت: إلى الثانية العاصية غير المجزى عنها، وهي التي لا يؤخذ منها عدل. ومعنى لا يقبل منها شفاعة: إن جاءت بشفاعة شفيع لم يقبل منها. ويجوز أن يرجع إلى النفس الأولى، على أنها لو شفعت لها لم تقبل شفاعتها، كما لا تجزى عنها شيئا، ولو أعطت عدلا عنها لم يؤخذ منها وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يعنى ما دلت عليه النفس المنكرة من النفوس الكثيرة والتذكير بمعنى العباد والأناسى، كما تقول: ثلاثة أنفس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانيهما: بحسب الأشخاص، إذ لابد لهم من التخصيص في غير العصاة لمزيد الدرجات، ونحن نخصص في العصاة بما روينا من الأحاديث الصحيحة المروية عن البخاري ومسلم وغيرهما من الأئمة الثقات ما يبلغ مبلغ التواتر منها في حديث طويل: "ثم أشفع فيحد لي حداً، فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة" قال: لا أدري أفي الثالثة أو في الرابعة قال: "فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن" أي: وجب الخلود.
وقال القاضي: إن الآية مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة، ويؤيده أن الخطاب معهم، والآية نزلت رداً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم. وهذا القول مذكور في "الكشاف".
قوله: (ولو أعطت عدلاً عنها) الضمير المستتر المرفوع راجع إلى النفس الأولى في (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)، والمجرور عائد على النفس الثانية.
قوله: (والتذكير بمعنى العباد) عطف على قوله: "يعني ما دلت عليه النفس المنكرة" أي: يعني الله تعالى بالضمير في "هم لا ينصرون" ما دلت عليه النفس المنكرة من النفوس الكثيرة،

الصفحة 476