كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

[(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)] 49.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتذكير بمعنى العباد، وحق الظاهر أن يقال: ولا هي تنصر، فخولف بأن جمع الضمير، والمرجوع إليه مفرد، وذكره وهو مؤنث، والجمع باعتبار أن النفس المنكرة في سياق النفي دلت على أن هناك نفوساً كثيرة، وكل واحدة منها لا تجزي عن الأخرى شيئاً، والتذكير بتأويل: "تلك الأنفس عبيد مقهورون مذللون تحت سلطان الله وملكه".
قال القاضي: وكأنه أريد بالآية نفي أن يدفع العذاب أحدٌ عن أحدٍ من كل وجه محتمل، فإنه إما أن يكون قهراً أو غيره، والأول: النصرة، والثاني: إما أن يكون مجاناً أو غيره، والأول: أن يشفع له، والثاني: إما بأداء ما كان عليه وهو أن يجزي عنه، أو بغيره، وهو أن يعطي عدلاً.
وقلت: هذا على التقسيم العقلي، وأما البياني فإن الآية من أسلوب الترقي، ولذلك اختار المصنف في تفسير "تجزي": تقضي، على "تغني"، كأنه قيل: النفس الأولى غير قادرة على استخلاص صاحبها من قضاء الواجبات، وتدارك التبعات؛ لأنها مشتغلة عنها بشأنها (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34 - 37] ثم إن قدرت على سعي ما مثل الشفاعة فلا يقبل منها، وإن زادت عليها بأن يضم معها الفداء فلا يؤخذ منها، وإن حاولت الخلاص بالقهر والغلبة- وأنى لها ذلك- فلا تتمكن منه، فالترقي من السعي إلى السعي.
فإن قلت: لم خالف المفسرين مثل الزجاج ومحيي السنة وغيرهما؟ على أن صاحب

الصفحة 477