كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وإنما فعلوا بهم ذلك لأنّ الكهنة أنذروا فرعون بأنه يولد مولود يكون على يده هلاكه، كما أنذر نمروذ. فلم يغن عنهما اجتهادهما في التحفظ، وكان ما شاء اللَّه.
والبلاء المحنة إن أشير بـ (ذلكم) إلى صنيع فرعون. والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعنى: الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم. وليس فيه ما يشعر به أنه بيان.
ويجاب بأن يقال: إنه بيان لقوله: (ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ) وذلك التقدير لا ينافيه، فإنه تعالى لما حكم عليهم أن هذا القول قول باطل ولا معنى له، بينه بقوله: "يضاهي قولهم قول المشركين: الملائكة بنات الله" دفعاً لوهم من عسى أن يزعم أن هؤلاء أهل كتاب، لعل قولهم عن نص أو دليل عقلي، فقال: بل قولهم مثل قول المشركين في البطلان وعدم الحجة.
قوله: (والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء)، الراغب: بلي الثوب بلى وبلاء، أي: خلق، ومنه بلو سفر وبلي سفر، أي: أبلاه السفر، وبلوته: أي: اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له، وسمي الغم بلاء؛ لأنه يبلي الجسم، وسمي التكليف بلاء من أوجه: الأول: أن التكاليف كلها مشاق. والثاني: أنها اختبارات، ولهذا قال: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد: 31] والثالث: أن اختبار الله للعباد تارة بالمسار ليشكروا، وتارة بالمضار ليصبروا، والقيام بحقوق الصر أيسر، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر، ولهذا قال علي رضي الله عنه: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به، فهو مخدوع عن عقله. وقال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) [الأنبياء: 35].

الصفحة 481