كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

[(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)].
(فَرَقْنا): فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم. وقرئ: فرّقنا، بمعنى فصلنا. يقال: فرق بين الشيئين، وفرّق بين الأشياء لأن المسالك كانت اثنى عشر على عدد الأسباط. فإن قلت: ما معنى بِكُمُ؟ قلت: فيه أوجه: أن يراد أنهم كانوا يسلكونه ويتفرّق الماء عند سلوكهم، فكأنما فرق بهم كما يفرق بين الشيئين بما يوسط بينهما، وأن يراد فرقناه بسببكم وبسبب إنجائكم، وأن يكون في موضع الحال، بمعنى فرقناه ملتبسا بكم كقوله:
تَدُوسُ بِنَا الْجَمَاجِمَ وَالتَّرِيبا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا قيل: ابتلى فلان فلاناً وأبلاه يتضمن أمرين: أحدهما: تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره، والثاني: ظهور جودته ورداءته وربما قصد الأمران أو أحدهما، وإذا قيل: بلاه الله وأبلاه فالمراد الثاني، لأنه تعالى علام الغيوب.
قوله: (تدوس بنا) البيت للمتنبي وأوله:
كأن خيولنا كانت قديماً ... تسقى في قحوفهم الحليبا
فمرت غير نافرة عليهم ... تدوس بنا الجماجم والتريبا
التريب: جمع التربية وهي عظام الصدر. والعرب تسقي اللبن كرام خيولهم، يقول: إن خيلنا كانت تسقى اللبن في أقحاف رؤوس الأعداء وألفت بها، فلذلك وطئت رؤوسهم

الصفحة 482