كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(مِنْ بَعْدِ ذلِكَ): من بعد ارتكابكم الأمر العظيم، وهو اتخاذكم العجل لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: إرادة أن تشكروا النعمة في العفو عنكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن قيل: في قول أهل التفسير: وعد موسى المجيء إلى الطور، ووعد الله إليه الوحي، إشكال، ووجه تقريره: أن "أربعين" إما أن يكون منتصباً على الظرفية، أو على المفعول به لظهور بعد غيرهما من المنصوبات أو امتناعه. والأول ممتنع؛ لأن المواعدة لم تكن في أربعين، وكذا الثاني، لأن المواعدة إنما تتعلق بالأحداث والمعاني لا بنفس الحدث والأزمنة، ولا جائز أن يقدر مضاف، لأنه لو قدر إما أن يقدر المذكوران، أي: الوحي والمجيء، وهو ممتنع؛ لأن تقدير مضافين، إلى شيء واحد حذفا من اللفظ غير معهود في العربية، بخلاف ما لو كانا ملفوظين نحو: بين ذراعي وجبهة الأسد، أو أن يقدر أمر واحد منهما أو غيره، والأول أيضاً ممنوع؛ لأن أحدهما غير مواعد من الطرفين بل كليهما، والثاني غير جائز؛ لأن المنقول ذلك الأمران، على أن المواعدة تقتضي شيئين. وأجاب باختيار الثالث، ونقدر أمراً يتضمنهما لتصحيح المعنى واللفظ، نحو الملاقاة فإنها تستقيم من الجانبين، واللقاء الموعود من الله تعالى لأجل الوحي، ومن موسى عليه السلام لأجل استماعه.
وغرض المفسرين من ذلك التقدير بيان المعنى، وأن الموعود من كل جانب ماذا، لا بيان الإعراب، على أنه يجوز تفكيك "واعدنا" إلى فعلين لإضمار المعنيين باعتبارين، كأنه قيل: نحن وعدنا وحي أربعين، أي: الوحي بعد أربعين، ووعد هو مجيء أربعين، أي: المجيء بعد أربعين. فإن "واعدنا"، وإن كان واحداً لفظاً فهو متعدد معنى، ونظيره قولك: بايع الزيدان عمراً؛ لأن المعنى باع زيد من عمرو، وباع أيضاً صاحبه منه؛ لا أن المفاعلة صدرت منهما دفعة فوجب التفكيك. هذا تلخيص كلامه.
قوله: (من بعد ارتكابكم الأمر العظيم) ودل على عظم الأمر إتيان "ذلك" للبعيد، والمشار إليه قريب.
قوله: ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) إرادة أن تشكروا) فسر الرجاء بالإرادة، لأن الرجاء إرادة

الصفحة 485