كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

[(وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)].
الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ يعنى الجامع بين كونه كتاباً منزلاً، وفرقانا يفرق بين الحق والباطل: يعنى التوراة، كقولك: رأيت الغيث والليث، تريد الرجل الجامع بين الجود والجرأة. ونحوه قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً) [الأنبياء: 48]، يعني: الكتاب الجامع بين كونه فرقانا وضياء وذكراً؛ ........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شيء حصوله غير معلوم، وهو على عالم الغيب والشهادة غير جائز، فجعله مجازاً عن مطلق الإرادة بناءً على مذهبه؛ لأن مراد الله قد يتخلف عن إرادته عندهم، وعلى مذهبنا استعمال "لعل" تمثيل. المعنى: نحن عاملناهم معاملة من يدر النعم على الغير متوالية، وهو غير ملتفت إليها، ولا يشكر المنعم، والمنعم لا يقطع خيره رجاء أن يقلع عن فعله، ثم استعمل هنا ما كان مستعملاً هناك نعياً عليهم في التمادي في الغفلة، والتناهي في كفران النعم.
قوله: (يعني الجامع بين كونه كتاباً منزلاً وفرقاناً) يريد أن الكتاب والفرقان عبارتان عن معبر واحد وهو التوراة بعد تأويلها بالصفتين، يدل عليه قوله آخراً: "يعني التوراة"، هذا نحو قولك إذا أردت أن ترسم التوراة تقول: هي الكتاب المنزل على موسى عليه السلام، الفارق بين الحق والباطل، وهو من باب الكناية التي يطلب بها نفس الموصوف. نحو قولك في مستوي القامة: عريض الأظفار، وتريد به الإنسان. وأما "الواو" فهي الداخلة بين الصفات للإعلام باستقلال كل منها وهي الإشارة بقوله: "رأيت الغيث والليث"، وعليه قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً) [الأنبياء: 48] يعني التوراة.

الصفحة 486