كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

جعل توبتهم قتل أنفسهم. ويجوز أن يكون القتل تمام توبتهم. فيكون المعنى: فتوبوا، فأتبعوا التوبة القتل تتمة لتوبتكم، والثالثة متعلقة بمحذوف، ولا يخلو إما أن ينتظم في قول موسى لهم فتتعلق بشرط محذوف، كأنه قال: فإن فعلتم فقد تاب عليكم. وإمّا أن يكون خطابا من اللَّه تعالى لهم على طريقة الالتفات. فيكون التقدير: ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم. فإن قلت: من أين اختص هذا الموضع بذكر البارئ؟ ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانيهما: أن يكون قتل أنفسهم تتمة للتوبة، فتكون التوبة مشتملة على القول المتعارف والفعل المخصوص، فيصح العطف بدون التقدير.
قوله: (ففعلتم ما أمركم به موسى) والذي أمر به موسى هو قوله: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ) [البقرة: 54] أي: قال لكم موسى: توبوا إلى بارئكم، فتبتم فتبنا عليكم، فالفاء إذن فصيحة؛ لأنها تفصح عن محذوف غير شرط هو سبب لما بعده. والأولى أن علة التسمية اختصاصها بكلام الفصحاء، كما سيجيء في قوله: (فَانفَجَرَتْ) [البقرة: 60]، وأما الفاء في قول المصنف: "فيكون التقدير" فجواب شرط محذوف، يعني: التقدير على طريقة الشرط ما ذكر، وعلى طريقة الالتفات هذا المذكور، فيكون لفظ بارئكم في "الكشاف" في قوله: "فتاب عليكم بارئكم" مقصوداً بالذكر وإن لم يكن في التنزيل.
فإن قلت: فما فائدة هذه الزيادة في الكتاب؟
قلت: فائدتها بيان موقع النكتة في الالتفات، وهي مزيد الاعتناء بلفظ البارئ الدال على المعنى الذي تضمنه جوابه عن السؤال الآتي، كأنه يشير به إلى أن الضمير في "فتاب" يعود إلى البارئ المذكور، فيكون لفظ "البارئ" مقصوداً، بخلافه إذا قيل: فتبنا لأنه لا دلالة له عليه، والمقام يقتضي مزيد التوبيخ والتقريع لا التعظيم، ومن ثم كرر لفظ البارئ ولا كذلك في

الصفحة 489