كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

قلت: البارئ: هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك: 3] ومتميزاً بعضه من بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة، .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط؛ لأنه على ظاهره يقتضي العود إلى البارئ؛ لأنه من تتمة كلام موسى، ولهذا لم يصرح بـ "البارئ" في التقدير.
فإن قلت: من أين نشأ الالتفات؟ وكيف موقعه؟
قلت: من قوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ) [البقرة: 54] يعني اذكروا يا بني إسرائيل وقت قول موسى لقومه: فتوبوا إلى بارئكم، فامتثلتم أمره، فتبتم، فتبنا عليكم، فرجع إلى الغيبة.
قوله: (البارئ: هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت)، الراغب: أصل البرء: خلوص الشيء عن غيره، إما على سبيل التفصي منه، أو على سبيل الإنشاء عنه، فعلى التفصي قولهم: بريء فلان من مرضه، والبائع من عيوب مبيعه، وصاحب الدين من دينه، ومنه استبراء الجارية. وعلى سبيل الإنشاء قولهم: برأ الله الخلق، وقوله صلوات الله عليه: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة".
فإن قلت: ما معنى قوله: "ومتميزاً بعضه من بعض بالأشكال المختلفة" بعد قوله: "بريئاً من التفاوت"؟
قلت: معنى التفاوت: عدم التناسب، فكأن بعضه يفوت بعضاً ولا يلائمه، ومعنى التميز: التفريق، فاليد متميزة عن الرجل لكن ملائمة لها من حيث الصغر والكبر والغلظ والدقة، كقوله تعالى: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) [طه: 50] أي: أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يناسب المنفعة المنوطة به.

الصفحة 490