كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

قيل: القائلون السبعون الذين صعقوا. وقيل قاله عشرة آلاف منهم (جَهْرَةً): عياناً، وهي مصدر من قولك: جهر بالقراءة وبالدعاء، كأنّ الذي يرى بالعين جاهر بالرؤية، والذي يرى بالقلب مخافت بها، وانتصابها على المصدر، لأنها نوع من الرؤية فنصبت بفعلها كما تنصب القرفصاء بفعل الجلوس، أو على الحال بمعنى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (السبعون الذين صعقوا) قال محيي السنة: إن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، فاختار السبعين وقال لهم: صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، ففعلوا، فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات ربه، فقالوا: اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فلما دنا موسى إلى الطور وقع عليه عمود الغمام، فضرب دونه الحجاب، وسمعوه يكلم موسى، يأمره وينهاه، فلما انكشف الغمام، فقالوا له: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة، فلما هلكوا جعل موسى يبكي ويقول: ماذا أقول لبني إسرائيل وقد أهلكت خيارهم؟ فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم.
قوله: (كأن الذي يرى بالعين جاهر بالرؤية) يعني: استعمال جهرة ها هنا على الاستعارة، لأنها مسبوقة بالتشبيه، أي: استعير الجهر للرؤية، وفائدتها كمال الرؤية بحيث لا يضام فيها. الأساس: جهر الشيء: إذا ظهر، وأجهرته أنا، وأجهر فلان ما في صدره، ورأيته جهرة، أيك عياناً، وجهر بكذا، أي: أعلنه، وقد جهر بكلامه وبقراءته: رفع بهما صوته.
الراغب: الجهر: يقال لظهور الشيء بإفراط إما لحاسة البصر نحو: رأيته جهاراً، قال تعالى: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) [البقرة: 55] ومنه: جهر البئر: إذا أظهر ماءها، وقيل: ما في القوم أحد يجهر عيني، والجوهر: فوعل منه، وهو ما إذا بطل بطل محموله، وسمي بذلك لظهوره للحاسة، وإما لحاسة السمع، قال تعالى: (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ

الصفحة 492