كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

ذوي جهرة. وقرئ «جهرة» بفتح الهاء، وهي إمّا مصدر كالغلبة. وإما جمع جاهر. وفي هذا الكلام دليل على أن موسى عليه الصلاة والسلام رادّهم القول وعرّفهم أن رؤية ما لا يجوز عليه أن يكون في جهة محال؛ وأن من استجاز على اللَّه الرؤية فقد جعله من جملة الأجسام والأعراض، فرادّوه بعد بيان الحجة ووضوح البرهان، ولجوا فكانوا في الكفر كعبدة العجل، فسلط اللَّه عليهم الصعقة كما سلط على أولئك القتل تسوية بين الكفرين ودلالة على عظمهما بعظم المحنة.
و(الصَّاعِقَةُ): ما صعقهم، أي: أماتهم. قيل: نار وقعت من السماء فأحرقتهم. وقيل: صيحة جاءت من السماء. وقيل: أرسل اللَّه جنودا سمعوا بحسِّها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِنْ الْقَوْلِ) [الأنبياء: 110] وقيل: كلام جهوري وجهير يقال لرفيع الصوت ولمن يجهر بحسنه.
قوله: (وفي هذا الكلام دليل على أن موسى عليه السلام رادهم القول وعرفهم) قيل: الدليل تسليط الصعقة عليهم؛ لأنه لولا ذلك لما سلط عليهم الصعقة، لكونهم معذورين إذ لم يعلموا أنه تعالى ممتنع الرؤية، فثبت أن موسى عليه السلام عرفهم ذلك وهم رادوه.
وقلت: الوجه الذي لا محيد عنه أن ذلك الدليل هو قولهم: لن نؤمن لك، لأن (لن) في النفي بمنزلة (أن) في الإثبات في كونهما يقعان في صدر الجملة الإنكارية كما سبق في قوله: كما تقول لصاحبك: لا أقيم غداً، وإن أنكر عليك قلت: لن أقيم غداً. وليس في الكلام أن من استجاز على الله الرؤية فقد جعله من جملة الأجسام. نعم فيه إنكار مطلقاً، وأقصى ما يقال في ذلك أنه تعالى مما لا يجوز أن يرى في الجملة، وذلك لا يفيد عموم الأحوال والأوقات، وليس فيه ما يلزم منه تكفير القوم.

الصفحة 493