كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(وَظَلَّلْنا): وجعلنا الغمام تظلكم. وذلك في التيه، سخر اللَّه لهم السحاب تسير بسيرهم تظلهم من الشمس وينزل بالليل عمود من نار يسيرون في ضوئه، وثيابهم لا تتسخ ولا تبلى، وينزل عليهم الْمَنَّ -وهو الترنجبين- مثل الثلج. من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، لكل إنسان صاع، ويبعث اللَّه الجنوب فتحشر عليهم السَّلْوى - وهي السمانى- فيذبح الرجل منها ما يكفيه. (كُلُوا) على إرادة القول. (وَما ظَلَمُونا) يعنى: فظلموا بأن كفروا هذه النعم وما ظلمونا، فاختصر الكلام بحذفه لدلالة (وما ظلمونا) عليه.
[(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)].
(الْقَرْيَةَ): بيت المقدس. وقيل أريحاء من قرى الشام، أُمِروا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقولهم: لن نؤمن لك، أي: فأخذتكم الصاعقة لعلكم تشكرون نعمة الإيمان فلا تعودوا إلى طلب ما لا يجوز. وقوله: "إذا رأيتم" ظرف تشكرون.
قوله: (يعني فظلموا بأن كفروا) يريد أن "الواو" في (وَمَا ظَلَمُونَا) [البقرة: 53] تستدعي معطوفاً عليه هو مترتب على ما قبله، كقوله تعالى: (وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) بعد قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً) [النملك 15] والفاء في "فظلموا" مجاز لغير مترتب، على أسلوب قولك: أنعمت عليه فكفر، أي: ليشكر، فكفر، وضعوا الكفر موضع الشكر فظلموا، ونحوه قوله: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) أي شكر رزقكم (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة: 82]. وإنما قال: "فظلموا بأن كفروا هذه النعم" ولم يقل: فظلموا بأن لم يمتثلوا الأمر؛ لأنهم امتثلوا الأمر لكن ما عملوا بمقتضاه، أي: الشكر.
قوله: (أريحاء)، النهاية: أريحاء بفتح الهمزة وكسر الراء والحاء المهملة: اسم قرية بالغور قريباً من بيت المقدس.

الصفحة 495