كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) أي: من كان محسناً منكم كانت تلك الكلمة سبباً في زيادة ثوابه، ومن كان مسيئا كانت له توبة ومغفرة. (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي: وضعوا مكان حطة (قَوْلًا) غيرها. يعنى: أنهم أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار، فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به، ولم يمتثلوا أمر اللَّه. وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه وهو لفظ الحطة فجاؤوا بلفظ آخر. لأنهم لو جاؤوا بلفظ آخر مستقل بمعنى ما أمروا به، لم يؤاخذوا به. كما لو قالوا مكان حطة: نستغفرك ونتوب إليك. أو اللهم اعف عنا وما أشبه ذلك. وقيل: قالوا مكان (حطة): حنطة .........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي من كان محسناً منكم كانت تلك الكلمة سبباً في زيادة ثوابه، ومن كان مسيئاً كانت له توبة ومغفرة) أخرج المعطوف والمعطوف عليه، وهما نغفر وسنزيد مع متعلقهما مخرج الشرط والجزاء؛ إعلاماً أن كلاً منهما جواب للأمر وهو قوله: "قولوا"، وإن كان الثاني غير مجزوم، وأن اللام في (المحسنين) للعهد، يدل عليه قوله: "من كان محسناً منكم". فظهر من هذا البيان أن في الكلام جمعاً مع التفريق، أما الجمع فإن قوله: (وَقُولُوا حِطَّةٌ) جمع الفريقين: المسيء والمحسن معاً في هذا القول المخصوص، وأما التفريق فقوله: (نَغْفِرْ) (وَسَنَزِيدُ).
فإن قلت: كيف يكون "وسنزيد" عطفاً على "نغفر" وهو مجزوم؟
أجاب القاضي: إنما أخرجه عن صورة الجواب إلى الوعد إيهاماً بأن المحسن بصدد ذلك وإن لم يفعله، فكيف إذا فعله! وأنه تعالى يفعله لا محالة.
قلت: أراد أن الاستزادة إذا كانت عن وعد الله كانت أقطع مما إذا كانت مسببة عن فعلهم.
قوله: (وقيل: قالوا مكان (حِطَّةٌ): حنطة) هذا يشعر بأن القول الأول أقوى، وهو قوله: "ليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه وهو لفظ الحطة" قال الزجاج: كأنه قيل لهم: قولوا:

الصفحة 498