كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

وقيل: قالوا بالنبطية: (حِطًّا سُمَقَاثا) أي: حنطة حمراء، استهزاء منهم بما قيل لهم، وعدولا عن طلب ما عند اللَّه إلى طلب ما يشتهون من أغراض الدنيا. وفي تكرير (الَّذِينَ ظَلَمُوا) زيادة في تقبيح أمرهم. وإيذان بأنّ إنزال الرجز عليهم لظلمهم. وقد جاء في سورة الأعراف: (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ) [الأعراف: 133] على الإضمار. والرجز: العذاب. وقرئ بضم الراء. وروي أنه مات منهم في ساعة بالطاعون أربعة وعشرون ألفاً. وقيل: سبعون ألفاً ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احطط عنا ذنوبنا حطة، فحرفوا هذا القول وقالوا لفظة غير التي أمروا بها. ولذلك سماهم ظالمين بقوله: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [البقرة: 59].
قوله: (بالنبطية)، النهاية: النبط والنبيط: جيل معروف، كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين. ومنه قول ابن عباس: نحن قريش من النبط من أهل كوثى. قيل: إن إبراهيم عليه السلام ولد بها، وكان النبط سكانها.
قوله: (وفي تكرير (الَّذِينَ ظَلَمُوا)) أي: في وضع المظهر موضع المضمر إشعار بالعلية، وهي أن إنزال الرجز عليهم كان بسبب ظلمهم، ولذلك علله بقوله: "لظلمهم" فقوله تعالى: (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [البقرة: 58] داخل في حيز الصلة، وسبب للظلم لا الإنزال، فيكون إنزال العذاب مسبباً عن الظلم المسبب عن الفسق، كما قيل: إن صغائر الذنوب تؤدي إلى كبائرها. ونحوه قوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [البقرة: 61]. وموقع "كان" في هذا المكان من مجازه؛ قال الراغب: "كان" ما استعمل منه في جنس الشيء متعلقاً بوصف له: تنبيه على أن ذلك الوصف لازم له، قليل الانفكاك، كقوله تعالى: (وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً) [الإسراء: 67].

الصفحة 499