كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

[(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)].
عطشوا في التيه فدعا لهم موسى بالسقيا فقيل له: (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ)، واللام إمّا للعهد والإشارة إلى حجر معلوم، فقد روي أنه حجر طوري حمله معه، وكان حجراً مربعاً له أربعة أوجه كانت تنبع من كل وجه ثلاث أعين،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (عطشوا في التيه) شروع في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ) [البقرة: 60]. اعلم أن قوله هذا بعد قوله "أمروا بدخولها بعد التيه" في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) [البقرة: 58] ثم قوله: "وذلك في التيه" في تفسير قوله تعالى: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ) [البقرة: 57] مؤذن بأن الآيات واردة على التقديم والتأخير، فيتجه لقائل أن يقول: ما بالها ما قصت على ترتيب الواقعة؟
والجواب عنه ما قاله المصنف في قوله تعالى: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَاتُمْ فِيهَا) [البقرة: 72]: كل ما قص من قصص بني إسرائيل إنما قص تعديداً لما وجد منهم. فكذا ها هنا لو قصت متصلات مرتبات كانت كقصة واحدة، فالتفريق دل على أن القصد تعديد النعم، وتقريع لهم على كفرانها نعمة غب نعمة، فإنها وإن كانت قصة واحدة لكنها نعم متعددة، ومن ثم كرر فيها لفظة "إذ" أي: اذكروا وقت كذا نعمة كذا، وصرح في بعضها ذكر موسى عليه السلام، وأعاده مرة من بعد أخرى.
قوله: (بالسقيا)، النهاية: السقيا بالضم: اسم من قولك: سقى الله عباده الغيث وأسقاهم.

الصفحة 500