كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

والعَثي: أشدّ الفساد، فقيل لهم: لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه.
[(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) 61].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تُنْبِتُ الأَرْضُ) [البقرة: 61] ولا يلتئم أيضاً قولهم: (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ) إلا على أن يحمل (مِنْ رِزْقِ اللَّهِ) على المن والسلوى.
قوله: (والعثي: أشد الفساد، فقيل لهم: لا تتمادوا في الفساد) الفاء متعلق بمحذوف، المعنى: العثي أشد الفساد، لما أريد أن ينهى القوم عنه أكد الفعل المنهي بالحال فقيل لهم: لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم، لأن القوم كانوا متمادين فيه.
فإن قلت: التقييد بالحال يوهم أن المنهي أشد الفساد لا الفساد مطلقاً.
قلت: يختلف المعنى باختلاف المقام، فالقوم لما كانوا على التمادي في الفساد نهوا عما كانوا عليه، وتعليله بقوله: "لأنهم كانوا متمادين فيه" إشارة إلى هذا المعنى، ونحوه قوله تعالى: (لا تَاكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً) [آل عمران: 130] فالحال إذن مؤكدة ومن ثم قال في: "حال فسادكم" أي: الفساد الذي خص بكم، وهو التمادي فيه. نعم لو نهى من أراد ذلك الفساد يلزم من المفهوم أن لا يكون نفس الفساد منهياً، فالحال حينئذ منتقلة. وإليه ذهب القاضي حيث قال: إنما قيده، لأنه وإن غلب في الفساد، فقد يكون منه ما ليس بفساد، كمقابلة الظالم المعتدي بفعله،

الصفحة 504