كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

(اهْبِطُوا مِصْراً) وقرئ: (اهبطوا)، بالضم: أي: انحدروا إليه من التيه. يقال: هَبط الواديَ. إذا نزل به، وهبط منه، إذا خرج. وبلاد التيه: ما بين بيت المقدس إلى قنّسرين، وهي اثنا عشر فرسخا في ثمانية فراسخ.
ويحتمل أن يريد العلم وإنما صرفه مع اجتماع السببين فيه وهما التعريف والتأنيث، لسكون وسطه كقوله: (ونوحا) [آل عمران: 33]، (ولوطا) [الأنعام: 86]. وفيهما العجمة والتعريف، وإن أريد به البلد فما فيه إلا سبب واحد، وأن يريد مصراً من الأمصار. وفي مصحف عبد اللَّه وقرأ به الأعمش: (اهبطوا مصرَ) بغير تنوين كقوله: (ادخلوا مصر) [يوسف: 99]. وقيل: هو مصرائيم فعرّب. (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ): جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم، فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه. أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب، كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فهم فيها) مبتدأ وخبر، والكاف في "كما" صفة مصدر محذوف، و (ما) مصدرية. أي: فهم مستقرون فيها استقرار من ضربت عليه القبة في القبة.
قوله: (أو ألصقت) معطوف على "جعلت" أي: الاستعارة إما أن تكون في الذلة بأن شبهت الذلة بالقبة المضروبة على شيء شاملة له من كل جانب، ثم بولغ في التشبيه، فحذف المشبه به وأقيم المشبه مقامه، فأثبت لها الضرب على طريق التخييلية، فتكون استعارة مكنية، وإما أن تكون في الفعل، وهو ضربت، فاستعير لمعنى "ألصقت" على سبيل التبعية، فتكون مصرحة، فإذن لا تكون "ضربت" في الآية على باب قوله:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
كما ظن.

الصفحة 507