كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة. إما على الحقيقة، وإما لتصاغرهم وتفاقرهم، خيفة أن تضاعف عليهم الجزية. (وَباءو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) من قولك: باء فلان بفلان، إذا كان حقيقاً بأن يقتل به، لمساواته له ومكافأته، أي: صاروا أحقاء بغضبه. (ذلِكَ): إشارة إلى ما تقدّم من ضرب الذلة والمسكنة والخَلاقة بالغضب، أي: ذلك بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء وقد قتلت اليهود - لعنوا - شعيا وزكريا ويحيى وغيرهم: فإن قلت: قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق فما فائدة ذكره؟ قلت: معناه أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم، لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا. وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم، فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقون به القتل عندهم. وقرأ علىّ رضي اللَّه عنه: (ويقتّلون) بالتشديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الراغب: الضرب: إيقاع شيء على شيء، ولتصور اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها، كضرب الشيء باليد، والعصا، والسيف ونحوها، وضرب الدراهم اعتباراً بضربه بالمطرقة، وقيل له: الطبع اعتباراً بتأثير السكة فيه، وبذلك شبه السجية فقيل لها: الضريبة، والضرب في الأرض: الذهاب فيها، وهو ضربها بالأرجل، وضرب الخيمة بضرب أوتادها بالمطرقة، وتشبيهاً بضرب الخيمة قال تعالى: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) [البقرة: 61] أي: التحفتهم الذلة التحاف الخيمة، ومنه قوله تعالى: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) [الكهف: 11] وضرب المثل وهو من ضرب الدراهم، وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره. والاضطراب كثرة الذهاب في الجهات من الضرب في الأرض.
قوله: (ومدقعة)، الأساس: فقير مدقع ومدقع وقد أدقع ودقع: لصق بالدقعاء وهو التراب من شدة الفقر، وأدقعه الفقر.

الصفحة 508