كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما المعية فتقتضي اجتماع أشياء في معنى سبب واحد، كأنه قال: ضربت عليهم الذلة والمسكنة بسبب عصيانهم واعتدائهم المنضم معهما الكفر وقتل الأنبياء، ثم أقحم ذلك تأكيداً للأول، ولا كذلك إذا لم يكن تكراراً؛ لأن المشار إليه بذلك الأول هو ما سبق من ضرب الذلة والمسكنة والخلاقة بالغضب. وبالثاني كفرهم بآيات الله وقتل الأنبياء، ثم الباء إن كانت سببية يكون ضرب الذلة والمسكنة واستحقاق الغضب مسبباً عن الكفر والقتل، وهما مسببان عن العصيان والاعتداء على وجه الترقي، فإن صغائر الذنوب سبب يؤدي إلى ارتكاب كبائرها، كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها، وإذا كانت بمعنى "مع" لا يكون كذلك.
فإن قلت: لم جعل الباء في (بِمَا عَصَوْا) سببية، وقدمه، وفي التنزيل مؤخر، وفي (بِأَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ) بمعنى "مع" في الوجه الأول، وعكس في ثاني الوجهين من الثاني.
قلت: لأن تقديم العصيان والاعتداء على وجه الترقي الكفر والقتل في الأول أولى من تأخيرهما، وإن كن تعليلاً واحداً للترتيب في الوجود، وتأخيرهما في الثاني أحرى لإرادة تكرير الكفر والقتل تشديداً عليهم، على أن لفظة "ذلك" على الأول لا تمنع من التقديم والتأخير، لكونها مزيدة مؤكدة، وعلى الثاني مانعة؛ لكونها مشيرة إلى الكفر والقتل، كأنه قيل: ضربت عليهم الذلة والمسكنة؛ لأنهم كفروا وقتلوا، وأنهم ما اكتفوا بهما، بل ضموا إليهما العصيان والاعتداء. وهو ينظر إلى قولها:

الصفحة 510