كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

فإن قلت: ما محل (من آمن)؟ قلت: الرفع إن جعلته مبتدأ خبره (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) والنصب إن جعلته بدلا من اسم إنّ والمعطوف عليه. فخبر إنّ في الوجه الأول الجملة كما هي وفي الثاني فلهم أجرهم. والفاء لتضمن «من» معنى الشرط.
[(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ* وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ* فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)].
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) بالعمل على ما في التوراة. (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) حتى قبلتم وأعطيتم الميثاق. وذلك أن موسى عليه السلام جاءهم بالألواح فرأوا ما فيها .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "الكفرة" لأن الكفر يشملهم، وهذا العام بعد الكلام في قوم مخصوصين دليل على أن الكلام فيه استطراد، وما هو قبله من قوله: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ) مستطرد أيضاً، بيان ذلك: أنه تعالى لما حكى إنكار موسى عليه السلام على اليهود استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، بعد تعداد النعم عليهم، جاء بقوله: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) استطراداً حاكياً سوء صنيعهم بالأنبياء، وكفرهم واعتدائهم، يعني أنهم قوم بهت معكوسو الرأي في سائر الأمور، وليس هذا ببدع منهم، ألا ترى إلى أنه تعالى كيف ضرب عليهم الذلة والمسكنة، وغضب عليهم بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء، وعصيانهم بعد أخذ الميثاق، ورفع الطور وغير ذلك! فإنهم لما غلوا في التمادي في الطغيان أبدل الله مكان عزهم الذلة والمسكنة، ثم أراد الله أن يبين للعباد عظيم رحمته، وشمول كرمه ورأفته، فعم الكفرة، يعني ما بال هؤلاء إذا رجعوا إلى الله تعالى وتابوا وآمنوا بنبي الرحمة! بل غيرهم ممن هو أشد منهم كفراً، إذا دخلوا في ملة الإسلام دخولاً أصيلاً، وعملوا صالحاً، فلهم أجرهم، والدليل على الاستطراد العود إلى خطاب اليهود بقوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا) الآية [البقرة: 63].

الصفحة 512