كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

من الآصار والتكاليف الشاقة، فكبرت عليهم وأبوا قبولها، فأمر جبريل فقلع الطور من أصله، ورفعه وظلله فوقهم وقال لهم موسى: إن قبلتم وإلا أُلقى عليكم، حتى قبلوا. خُذُوا على إرادة القول. (ما آتَيْناكُمْ) من الكتاب (بِقُوَّةٍ) بحدّ وعزيمة (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) واحفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) رجاء منكم أن تكونوا متقين، أو قلنا خذوا واذكروا إرادة أن تتقوا. (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) ثم أعرضتم عن الميثاق والوفاء به (فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بتوفيقكم للتوبة لخسرتم. وقرئ: (خذوا ما آتيتكم) و (تذكروا)، و (اذّكروا). و (السَّبْتِ): مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت، وإن ناساً منهم اعتدوا فيه أى جاوزوا ما حدّ لهم فيه من التجرّد للعبادة وتعظيمه واشتغلوا بالصيد. وذلك أن اللَّه ابتلاهم فما كان يبقى حوت في البحر إلا أخرج خرطومه يوم السبت، .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (حتى قبلوا) فيه لطيفة، وهي: أن تظليل الطور ومقالة موسى معهم امتد زماناً حتى قبلوا، وعلى عكسه قوله: (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ) [البقرة: 60].
قوله: (واذكروا إرادة أن تتقوا) قال القاضي: هذا عند المعتزلة، أي: قلنا: خذوا وذاكروا إرادة أن تتقوا.
وقلت: والحاصل أن "لعلكم" إن جعل تعليلاً لقوله: خذوا وذاكروا، كان على حقيقته، لأنه راجع إليهم، وإذا علق بـ "قلنا" المقدر كان تعليلاً لفعل الله تعالى، فيجب تأويله بالإرادة على مذهبه.
قوله: (فما كان يبقى حوت) "كان" زائدة كما في قوله:
وجيران لنا كانوا كرام

الصفحة 513