كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

أو الهزو نفسه لفرط الاستهزاء مِنَ الْجاهِلِينَ لأن الهزو في مثل هذا من باب الجهل والسفه ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو تجعل الذات نفس المعنى، نحو رجل عدل، ويرجع معنى "مكان هزو" كناية إلى المبالغة فيه.
قوله: (لأن الهزء في مثل هذا من باب الجهل والسفه)، أي: هذا المقام لا يصلح للاستهزاء، فإنه مقام الإرشاد وتبيين الأحكام، وتعيين الإبهام، فالاستهزاء فيه يعد من السفه. ويعلم منه أن الهزء إذا وقع في موقعه نحو قوله تعالى: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران: 21] ليزيد غيظ المستهزأ به، فيرتدع عما هو عليه، عين العلم والإرشاد. فوضع الجاهل موضع الهازئ للدلالة على أن الهازئ جاهل، وفسر الجهل بالسفه، ليؤذن أن العالم حليم.
قال الزجاج: فانتفى موسى عليه السلام من الهزء، لأن الهازئ جاهل لاعب.
قال القاضي: نفى عليه السلام عن نفسه ما رمي به على طريقة البرهان، وأخرج ذلك في صورة الاستعاذة.
وقلت: عنى بقوله: "طريقة البرهان" طريقة الكناية حيث نفى عن نفسه أن يكون داخلاً في زمرة الجاهلين، وواحداً منهم، وتمم المبالغة بالاستعاذة، أي: إن الهزء في مقام الإرشاد كاد أن يكون كفراً، فصحت الاستعاذة منه، فالمطابقة بين جواب موسى عليه السلام وبين كلامهم من حيث المعنى.
قال الراغب: الجهل على ثلاثة أضرب: الأول: خلو النفس من العلم، هذا هو الأصل، والثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه، والثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل،

الصفحة 517