كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 2)

كما جعلوا «فعل» نائباً عن أفعال جمة تذكر قبله: تقول للرجل: نعم ما فعلت، وقد ذكر لك أفعالا كثيرة وقصة طويلة، كما تقول له: ما أحسن ذلك! وقد يجرى الضمير مجرى اسم الإشارة في هذا. قال أبو عبيدة قلت لرؤبة في قوله:
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ
كَأَنَّهُ فِى الْجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ
إن أردت الخطوط فقل: كأنها، وإن أردت السواد والبلق فقل: كأنهما. فقال: أردت كأن ذاك، ويلك! والذي حسن منه أنّ أسماء الإشارة تثنيتها وجمعها وتأنيثها ليست على الحقيقة وكذلك الموصولات. ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما جعلوا "فعل" نائباً عن أفعال جمة) أي: كما أن الفعل الواحد يجعل كناية عن أفعال شتى، وكيفيات متعددة، كما سبق في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) [البقرة: 24] كذلك يجعل اسم الإشارة كناية عن المذكور، ثم يتفرع على اسم الإشارة الضمير بأن يجعل كناية عن المذكورات توسعة في الكلام كما في شعر رؤبة.
قوله: (فيها خطوط) الضمير للبقرة. و"التوليع": اختلاف الألوان، و"البهق": بياض وسواد يظهر في الجلد.
قوله: (ويلك) أي: هذا سهل لا يسأل.
قوله: (ليست على الحقيقة) قيل: لأنها ليست على شاكلتها في أسماء الأجناس، ألا ترى أن "ذا" موضوع للمفرد المذكر، و"الذي" في الموصول كذلك، و"اللذان" موضوع للمثنى، وليست تثنية "الذي"، و"الذين" هكذا موضوع للجمع.

الصفحة 521